إن من كمال الإيمان بالله أن يسلم المؤمن أمره لله سبحانه، ويتوكل عليه في كل شأن من شئونه.
ولقد أثنى الله سبحانه على المتوكلين فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]
وجعل الله سبحانه التوكل عليه دليلاً على الإيمان به فقال سبحانه: {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] وقال سبحانه: {وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51]
والتوكل هو قطع علائق القلب بغير الله سبحانه.
قال الإمام أحمد رحمه الله: التوكل: هو تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه، والثقة به وحده.
وقال سعيد بن جبير: "التوكل على الله عز وجل جماع الإيمان".
ولا شك أن المؤمن حينما يتوكل على ربه ويفوض الأمر إليه يشعر بأنه يأوي إلى ركن شديد، فلا يخشى أحداً، ولا يخاف أحداً من خلق الله قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 173، 174]
وكان من هدى النبي (صلي الله عليه وسلم) قوله: إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: "اللهم أســـلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك لا ملجأ، ولا منجي منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت مت على الفطرة. (رواه البخاري ومسلم)
وها هو مؤمن آل فرعون حينما قال: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} فكان الجزاء
{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [غافر: 44، 45]
وسئل يحيى بن معاذ: متى يكون الرجل متوكلاً ؟
قال: إذا رضي بالله وكيلاً.
علينا أن نوقن أن المؤمن إذا التجأ إلى الله بصدق وتضرع وإخلاص كان الله عز وجل منه قريباً مجيباً قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق: 3]
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار وقالها محمد (صلي الله عليه وسلم) حين قالوا له:
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]
فانظر أخي المسلم إلى عاقبة أمرهما: تجد أن الله عز وجل قال في حق إبراهيم عليه الســـلام: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69]
وقال في حق النبي وأصحابه.
{فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 174]
عباد الله:
إن التوكل على الله سبب من الأسباب التي تستجلب الرزق.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): "لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتعود بطانا" (رواه أحمد والترمذي)
ولذلك كان الســلف الصالح يشعرون بالرضى والاطمئنان، لأنهم وكلوا أمورهم لله سبحانه وتعالى: قال عامر بن قيس رحمه الله ثلاث آيات من كتاب الله عز وجل اكتفيت بهن عن جميع الخلائق.. الآية الأولى – قوله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107]
الآية الثانية: قوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2]
الآية الثالثة : قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [هود: 6]
قيل لحاتم الأصم: ما سر زهدك في الدنيا؟ فقال:
علمت أن رزقي لا يأكله غيري فلست أهتم به.
وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فاشتغلت به.
وعلمت أن الموت يأتينا بغتة فاستعددت له.
وعلمت أن الله مطلع علي فاستحييت منه..
كما علينا أن هناك فرقاً بين التوكل والتواكل. فالتوكل هو الأخذ بالأسباب والاجتهاد فيها ثم تفويض الأمر لله بعد ذلك، أما التواكل فهو ترك الأخذ بالأسباب وإهمالها بدعوى التوكل على الله وقد أخطأ كثيرون حينما تركوا الأخذ بالأسباب وعولوا عجزهم على التوكل وتذرعوا به فضيعوا الحقوق والواجبات لأنفسهم وعيالهم، والنبي (صلي الله عيه وسلم) يقول: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" (رواه أبو داود)
وقد حثنا النبي (صلي الله عليه وسلم) على الأخذ بالأسباب، يدل على ذلك ما رواه الترمذي وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: "قال رجل يا رسول الله: أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ فقال النبي (صلي الله عليه وسلم): "اعقلها وتوكل " وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي ناساً من أرض اليمن تركوا العمل بالأسباب فقال لهم من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. قال: بل أنتم؟ المتكلون، إنما المتوكل من يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله عز وجل.
وكان عمر رضي الله عنه يقول: يا معشر القراء ارفعو روء سكم ما أوضح الطريق، فاستبقوا الخيرات، ولا تكونوا كلاً على المسلمين "أي اسعوا في طلب الرزق ولا تمدوا أيديكم إلى أحد".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون، فأنزل الله قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة : 197 ]
فلا يجوز للمسلم أن يترك الأخذ بالأسباب بدعوى التوكل على الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.